» تقارير
مطارودن.. داخل الوطن
2011-06-06 - 7:56 ص
مرآة البحرين (خاص):
قصص الاعتداءات أثناء المداهمة، وتعرُّض بعض المنازل للحرْق بسبب الإطلاقات الكثيفة، كلّ ذلك جعَل بعض المعتقلين يقلقُ على أهاليهم، كما ينقلُ بعض المفرج عنهم مؤخراً.
منذ هجوم قوات درع الجزيرة على دوّار اللؤلؤة، وإعلان قانون السّلامة الوطنيّة في 16 مارس الماضي؛ فضّلَ الكثيرُ من المواطنين والنّشطاء عدمَ المبيت في منازلهم، خشية المداهمات والاقتحامات التي انطلقت ذلك اليوم، ولم تتوقف.
بيوتٌ كثيرة أصبحت مهجورة، خاليةً من ساكنيها وعلامات الحياة. أثناء اللّيل تتحوّلُ منازلٌ إلى ما يُشبه المقابر. بعضهم التجأ إلى الأهل والأقربين، والبعض ضاقت به السّبل، وقِبل الضّيافة الكريمة من أناس لم يعرفهم إلا يوم إخْلاء الدّوار وملاحقة المعتصمين بالنّار والطائرات. تغيّرت العديدُ من يوميّات البحرينيين. سيرة القرية تبدّلت، وبيوتاتٌ كثيرة تفتقدُ أبناءهم من غير أن يكونوا في السّجن.
(م. ح.) شابٌّ غير معروف. لكن أرشيف دوّار اللؤلؤة لا يخلو من حضوره الكثيف. منذ 14 فبراير، خرَج من بيته. لم يعد إلا بعد ثلاثة أيّام حينما دخلَ الثّوّارُ دوّارَ اللؤلؤة لأوّل مرّة. لكنه عادَ ليُسلّم على والديه ويقبّلهما، ثم يحزم حقيبته الصّغيرة ويغادر للاعتصام في الدّوار. نصبَ خيمته الصّغيرة، ثم استبدلها بخيمةٍ أكبر ليجمع أصدقاءه الذين أطلقوا عليها اسم "خيمة الشّهداء". يقول: "لا أعرف الكلام. عندما زارنا مراسلٌ أجنبي تلعثمتُ، ولم أستطع أن أقول كلمة مفهومة. لكنني أحبّ البحرين، ومن أجلها خرجنا في 14 فبراير، ومازلنا نثور، وسنعود إلى الدّوار، أو إلى أيّ مكان.. المهم أننا سنعود".
عندما يحلّ الظلام، يبدأ (س. ع.) في الانتقال من سطْح لآخر. حين يسمعُ الجيرانُ وقْعَ أقدام فوق المنزل، يعرفون أنّه وصَل. لقد اعتادوا عليه، وأصبحوا ينتظرونه في وقته المعلوم ليرفعوا إليه بعضاً من الطعام واللّباس. بيتٌ آخر، فرّغَ غرفة الخادمة في أعلى السّطح وقت المساء، ليأخذ (س. ع.) راحته، أو بعض راحته فيها.
أكثر من ثلاثة أيّام مرّت ولم يسمع فيها الجيرانُ أقدامَه. ظنّوا أنّه غادرَ إلى أسْطح أخرى أكثر أماناً. اكتشفوا بعد أيّام أخرى أنّه تمّ إلقاء القبض عليه أثناء مطاردةٍ شرسة بعد مسيرة بالشّموع انطلقت وسط القرية.
لا تقتصر المطاردات على الشّباب، فالشّابة المعتقلة آيات القرمزي كان أهلها يعلمون أنّ رئيس الوزراء لن يتركها وحدها. ثمّة ثأر شخصي معها. عندما شُنّت حربُ "التطهير"؛ دَفعها أهلها للاختباء. وحصلَ ما هو متوقّع. في آخر اقتحام على منزلها، قرّر المهاجمون عدم العودة إلا ومعهم آيات. كانوا عازمين على ارتكاب مجزرة بالنّساء والأطفال، إنْ لم تسلّم حالها.
تمّ استخدام التحرّش بالنساء والاعتداء عليهن لأجل إجبار عددٍ من المطلوبين لتسليم أنفسهم. لم يسْلم من هذا الإجراء الوحشي أحدٌ، بما في ذلك الشخصيات العامة. كما حدث للشّيخ عبد الله الصّالح وعائلته من النّساء.
شاباتٌ كثيرات التجأن إلى الاختباء تحسّباً من مصيرٍ غامض. لم يعد أحد مطمئناً، والكلّ يرى نفسه "الهدف التّالي". بعضُ الأهالي الميسورين دفعوا بناتهم للخروج من البلاد، بعضهن عند أقارب في دول الخليج، والبعض لاستكمال الدراسة بعيداً عن الجامعة التي تحوّلت إلى مصيدةٍ لاعتقال الطّلاب والطالبات.
من الطبيعي أن الحجم الأكبر من المطاردة كان من نصيب النّشطاء وبعض القيادات السّياسية والشّخصيات الدّينية. بعضهم تمّ إلقاء القبض عليه بعد أكثر من مطاردة. هناك منْ تمّ استدراجه بمعونة مخبرين محلّيين، كما يروي البعض بشأن الشّيخ محمّد علي المحفوظ أمين عام جمعية العمل الإسلامي.
بعض النّشطاء واصل عمله أو ظهوره وهو مُطارد. هناك من ازداد نشاطه برغم الملاحقة، كما هو حال الحقوقي السيد يوسف المحافظة، والحقوقي ناجي فتيل الذي تختارُ القواتُ ليال محدّدة لاقتحام منزله على أمل العثور عليه.
عددٌ من النّشطاء الذين حٌكموا في شبكة أغسطس، لم يتردّدوا في الاختباء. يقول أحدهم إنّ "تجربة التّعذيب التي تعرّضوا لها كانت بشعة، والجِراح التي غُرست في أجسادهم في مبنى جهاز الأمن الوطني مازالت مُثخنة، فكيف يمكن تسليم أنفسهم إلى العذاب من جديد؟!".
النّاشطُ الحقوقي عبد الغني الخنجر، والمُتهم في شبكة 21 الحالية، وفي القضية السّابقة؛ يعيشُ ظروفاً خطيرةً وقاسية. بعد فترة من التّواري عن الأنظار، ظهرَ على "تويتر" ليروي جوانب من سيرة التّعذيب أثناء اعتقاله في شبكة التنظيم الأولى. أعطتْ شهادةُ الخنجر حضورَها الخاص في سياق المحاكمات الجارية للشّبكة الجديدة، وفي ظل التعذيب الذي مورس بالمعتقلين والمحكومين الإعدام والمؤبّد.